كان سقراط شخصاً اجتماعياً يحبّ التنزّه في الطرقات وحضور حفلات التعارف والانخراط في أحاديث مع أي شخص لديه القدرة على خوض نقاشات فلسفية. بالنسبة له, لم تكن الفلسفة موضوعاً مجرّداً عقلياً وجامداً, ألعوبة للمتحذلقين والأكاديميين, بل مكوّن أساسي لحياة سليمة وواضحة ومستقيمة. حتى أنّه مضى لقول مقولته الشهيرة التي تُزعَمُ أنّه قائلها, والتي تحوّلت إلى مَثَل شهير ((الحياة غير المفحوصة غير جديرة بأن تُعاش)).

ما المقصود “بالحياة غير المفحوصة”؟ لسوء الحظ, إنّه ذلك النمط من الحياة الذي يعيشه أغلب الناس: الاستيقاظ صباحاً, ارتداء الملابس, تناول طعام الإفطار, الذهاب للعمل, استراحة الغداء, ثمّ العودة إلى العمل, العودة إلى المنزل, تناول الطعام مجدّداً, مشاهدة التلفاز, تصفّح الجرائد أو المجلّات, تبادل بعض العبارات والمجاملات أو الجدالات مع افراد العائلة, أو مع أصدقاء عبر الهاتف, تبديل الملابس وارتداء ثياب النوم, الخلود إلى السرير, ثمّ النوم بعمق جرّاء الإرهاق والسأم. ليتكرّر نفس الروتين في اليوم التالي مع بعض التغيير في التفاصيل, مرّةً بعد مرة بعد مرّة, على مدى شهور وأعوام, وربّما عقود, بدون حتى مجرّد التفكير بما يعنيه كل ذلك أو كيف يجب أن نمضي حياتنا بصورة أفضل وأكثر حيويةً وعَطاءً.

يبدو أنّ أغلب الناس يخافون عملية الفحص الذاتي, كما لو أنّ إعادة النظر في معتقداتهم وقيمهم الرئيسية وإعادة تقييمها يمثّل تهديداً بطريقة ما. لكنّ الفحص الفلسفي التأملي لمعظم افتراضاتنا ومعتقداتنا والتزاماتنا الأساسية ليس بالضرورة ذو تأثير أكّال, بل على العكس من ذلك قد يكون له تأثير تطهيري أو تنقوي. إنّ الهدف الرئيسي للفحص الفلسفي ليس النقد بالمعنى السلبي أو الانتقاد الأجوف, أو أي نوع من الرفض والإقصاء والاعتراض. الهَدف الأساسي هو الفَهم. ومع ذلك, غالباً ما يؤدّي مقدار أكبر من الفهم إلى إعادة التركيز وترتيب الأولويات: التخلص من الأنشطة والعادات غير الضرورية وغير المهمة وتبنّي آراء الآخرين ومعتقداتهم _أي إعادة التوازن إلى حياتنا وتغييرها بطريقة إيجابية نحو الأفضل.

الثمن الذي ندفعه عندما لا نفحص حياتنا يتمثّل في حياتنا كلها. ولن ندفع ثمناً باهظاً كهذا لأي شيء فيها. لاحظ أنّ سقراط لم يَقُل أنّ الحياة غير المفحوصة لاتستحق أن ندفع ثمناً لها. فهو يترك الباب مفتوحاً أمامنا إذ أنّ هناك بعض القيم والعادات الإيجابية موجودة في أي نمط من الحياة مهما كان, مهما كانت سطحية أو بسيطة أو غير مفحوصة. قال هذا الفيلسوف العظيم أنّ هذا االنوع من الحياة غير المفحوصة لايستحق الثمن الباهظ الذي ندفعه من أجلها _أي تكريس كل جهودنا وطاقاتنا في اتجاهات وخيارات ليست من اختيارنا شخصياً.

لديك القدرة للسيطرة على عقلك - وليس على الأحداث الخارجية. أدرك هذا, وسوف تجد القوة. ~ ماركوس أوريليوس كان الرواقيون بالطبع مهتمين بالعادات والروتينات اليومية. قالوا لنا - نحن خلاصة لما نفعله مرارًا و تكرارا .. شجع الرواقيون أيضًا على اقصاء كل ما هو ليس ضروريا من يومنا, والاكتفاء بما هو ضروري و توجيه طاقتنا نحوه.

المشاعر والرغبات التي لم يتم فحصها لن تتركننا وشأننا. بل تبقى وتنتشر طاقتها بشكل عشوائي الى امور مجاورة. الطموح الذي لا يعرف نفسه يأتي على شكل قلق. الحسد على شكل مرارة. الغضب يتحول إلى غيظ. الحزن الى اكتئاب. الامور التي تم التنصل عنها تلتف و تضغط على كل نظامنا. نقوم بتطوير عدم القدرة على العمل, أوإدمان الكحول, او رغبات اباحية ملحة كنتيجة لذلك, فمعظم ما يسمى بالإدمان هو في لبِّه أعراض لمشاعرٍ صعبة ملحة لم نجد طريقة لمعالجتها. الأرق أيضا هو في جزء كبير منه انتقامٌ للأفكار التي رفضنا التأمل فيها وفحصها اثناء النهار.

يبدأ التأمل الفلسفي بالسؤال: ما الذي أنا قلق بشأنه حاليًا؟ ما الذي أنا مستاء الآن بشأنه؟ ما الذي أنا متحمس له حاليًا؟