تعلم فن الرواق، سبيلٌ لصياغة النفس، وبناء جدار الثبات لمواجهة أمواج المشاعر المتلاطمة؛ إذ تنبئ الفلسفة العريقة بأن صيرورتك مفكرًا نقي الذهن، محايد الفكر، يفتح لك أبواب فهم النسيج الكوني العظيم (اللوغس). يُعد هذا المنطق الكوني تجسيدًا لفكر هيراكليتس، مُلهِم الفلسفة بأن الكون كلٌّ متصل، يُنسج بخيوط واحدة مترابطة.

ومن رحم التأمل الفلسفي أو تجربة النفحات الروحية، بزغ فكر وحدة الوجود، إما كحقيقة كونية مُطلقة تنير كل زاوية (أي اللوغس موجود في كل شيء)، أو كواقعية روحية تُعلي من شأن الإله (أي لا يرى في الوجود أساسًا إلا الاله). تبنى الفلاسفة الفكرة الأولى، بينما أحتضن المتصوفة الفكرة الثانية، ومع ذلك، نجد تفاوتًا في التفسير والتعريف بين الفلاسفة أنفسهم أو حتى المتصوفة.

فكر وحدة الوجود، أطروحة تخطت حدود الزمان والمكان، لا تقتصر على عقيدة أو فكر محدد، فنلمح ظلالها في الفكر الهندي القديم، وتجلت في الفلسفة اليونانية الرواقية، حيث يرى أتباعها أن اللوغس أو الإله هو عين الكون وجوهره، واكتسبت بُعدًا جديدًا في العصر الحديث على يد الفيلسوف سبينوزا وشيلر، اللذان رأيا أن الإله والكون ليسا إلا وجهين لعملة واحدة. وفي تاريخ الإسلام، تجلّى هذا الفكر في التصوف عبر شخصيات كالحلاج وابن عربي وابن سبعين. ونجد أن تفسير وحدة الوجود يتباين، وأحيانًا يتطابق، من مذهب إلى آخر ومن فلسفة إلى أخرى.