في عام 529، بعد 928 عام من موت سقراط، وقبل 40 عام من مولد النبي محمد، أصدر الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول قراره بإغلاق المدرسة الأفلاطونية في أثينا، نظرًا لاعتبارها تهديدًا للمسيحية الأرثوذكسية. بالمثل، أصدر الخليفة العباسي المتوكل قرارًا بإغلاق بيت الحكمة في عام 848، بعد اقل من عام لتوليه الحكم في زمن ازدهار الأرثوذكسية التقليدية الإسلامية. تعكس هذه القرارات تحولات كبيرة في التوجهات الفكرية والدينية التي أثرت على الحضارة الغربية باعتبار الإسلام جزئا منها.

بعد إغلاق مدرسة أثينا، لجأ الفلاسفة وكتاباتهم إلى بلاد فارس، حيث استقبلهم بالحفاوة كسرى الأول. لم يكتف كسرى بنقل كتب الفلاسفة بل سعى أيضًا إلى تعزيز الفلسفة والعلوم من مختلف الثقافات، بما في ذلك الهند والصين. دعا كسرى الفلاسفة والعلماء من تلك البلاد لتدريس مختلف العلوم في بلاطه، مما أدى إلى ترجمة العديد من النصوص الهامة من اليونانية والسنسكريتية والسريانية إلى الفارسية.

تميز كسرى بشغفه العميق بالفلسفة الأفلاطونية، مما جعل اللاجئين اليونانيين يطلقون عليه لقب “الملك أفلاطون الفيلسوف”. أسس مدينة جنديشابور كعاصمة للعلوم والثقافة، داعياً العلماء من مختلف الأديان والثقافات للعمل والتدريس هناك. وعليه، أصبحت جنديشابور مركزًا رئيسيًا للعلوم والطب في عهده، مما ساعد في تعزيز تبادل المعرفة بين الشرق والغرب.

أدت سياسات كسرى وإصلاحاته إلى تأثير طويل المدى على التبادل العلمي والفلسفي بين الثقافات المختلفة. وضعت هذه المبادرات الأسس التي ساهمت في النهضة العلمية العباسية في القرون اللاحقة. بعد معركة القادسية، التي أدت إلى فتح فارس، تأثرت الثقافة الإسلامية والسياسية بشكل كبير بسياسات كسرى. يظهر ذلك واضحاً في كتاب “التاج في أخلاق الملوك” للجاحظ، الذي يُظهر التأثير الكبير لسياسات كسرى على التحول الإمبريالي للإسلام.

في عام 832، أسس الخليفة العباسي المأمون بيت الحكمة كبديل لجنديشابور، الذي أصبح مركزًا للتعلم والفلسفة والعلوم. ازدهر بيت الحكمة في عهد خلفاء المأمون مثل المعتصم (حكم 833-842) وابنه الواثق (حكم 842-847). اعتنقت هذه العصور مذهب المعتزلة، الذي دعم الانفتاح الفكري والبحث العلمي.

مع وصول المتوكل إلى الحكم في عام 847، حدث تحول جذري في السياسة الفكرية والدينية للدولة العباسية. اتبع المتوكل رؤية أكثر حرفية للقرآن والحديث، مبتعدًا عن العقلانية التي دعمتها المعتزلة. أدى ذلك إلى الحد من نشاط بيت الحكمة ودعم النظرة التقليدية للإسلام، مما أدى إلى تراجع حركة الترجمة والبحث العلمي.

تثبت دراسة تاريخ الفلسفات والعلوم عبر الحضارات المختلفة أن ازدهار الحضارات مرتبط بفترات الانفتاح الفكري، وأن التشدد والتمسك الحرفي بالتفسيرات الدينية يؤديان إلى تراجع الفكر العلمي والفلسفي وهجرة الادمغة وتراجع الحضارة ككل.