مأدُبة الحب أو «مأدُبة أفلاطون» تُبيِّن كيف يمكن الوصولُ إلى الحقيقة بطُرق أخرى غير العقل, وبخاصةٍ طريقُ الحُب. فمن خلال سلسلة من الأسئلة, قاد سقراط الضيوف إلى استنتاج أن الحب هو أعلى خير (Sommum Bonnum).

لا أحد يكون جديرا بالحب ان كان غير قادر على منحه للآخرين. لهذا السبب فإن الطاغية القاسي مكروه. كما يلاحظ سينيكا بجدارة: “لا أحد يحب عن خوف”. الحب الحقيقي, من نواح كثيرة, مشابه للصداقة المثالية: كلاهما ينشأ من عاطفة متبادلة وحقيقية. كلاهما ليست له دوافع خفية تنبع من الجشع اوالربح اوالطموح اوالشهرة. أولئك الذين يسعون إلى الحب أو الصداقة من أجل التعظيم الشخصي يجردون هته العلاقات الإنسانية الرائعة من فضائلها, وينزلونها إلى مستوى العواطف الدنيئة والبغيضة - الى النوع الذي غالبا ما يجب أن يشار اليه بألفاظ بغيضة.

يجب على الرجل الصالح أن يعيش ليس ما دام يرضيه ذلك بل ما دام يجب عليه ذلك. هذا الرجل الذي لا يعتبر زوجته أو صديقه او اولاده او عشيرته مهمين بما يكفي ليعيش لاجلهم, والذي يصر على الموت (بمعنى الانتحار), هو رجل ضعيف. من سمات الروح العظيمة أن تعود إلى الحياة من أجل شخص آخر. ما الشيئ الأحلى من أن تكون عزيزا على زوجتك لدرجة أنك بسببها تصبح نفسك عزيزة عليك؟ هذه المشاعر العميقة ترفع الروح وتنبل النفس, إن الاعتراض الشائع ضد البعض, بأنهم رفضوا أو قمعوا المشاعر لصالح اللامبالاة, لا ينطبق بالتأكيد على سينيكا. شدد هو والرواقيون اللاحقون على تنظيم المشاعر بدلاً من إنكارها.

وبالتالي, فيما يتعلق بالحب, يؤكد سينيكا أن هذه المشاعر شريفة, وأنه ينبغي الانغماس فيها, وأنه يجب مشاركتها قدر الإمكان مع من يستحقها: دعونا نستمتع بأصدقائنا بقدر المستطاع, فدوام هذه النعمة غير مؤكد. يضيف سينيكا: صدقوني, جزء كبير من أولئك الذين أحببناهم, على الرغم من أن الصدفة سلبتهم منا, فهم لا يزالون معنا." يذكرنا سينيكا مرارا وتكرارا أنه لا يمكن لأحد أن يعيش بالكامل لنفسه: يجب أن تعيش من أجل شخص آخر, إذا كنت ترغب في العيش لنفسك.

اعظم مثال عن ذلك الحب المتبادل الذي كان موجودا بين سينيكا وزوجته بولينا. كانت رابطة الحب بينهما عميقة لدرجة أنه عندما أمر نيرو سينيكا بالانتحار, أصرت بولينا على مرافقته وإنهاء حياتها أيضا. حاول سينيكا في البداية ثنيها, لكنه رضخ بعد ذلك لرغبتها. عندما علم نيرو أنها كانت تحاول قتل نفسها, أمر نيرو بألا تموت, وذلك لحفظ ماء الوجه أكثر من إنقاذ حياتها. أرسل العديد من الجنود للتأكد من أن عبيدها قاموا بتضميدها. ثم قام الخدم بعمل عاصبة, ولفوا ذراعيها, ونجت. بعد الكثير من إعادة النظر, قررت اتباع نصيحة زوجها المتوفى والاستمرار في الحياة حبا لذاكرته, وعملت كراعية لذكرى زوجها. ومع ذلك, بعد محاولة الانتحار, قيل إنها كانت ضعيفة للغاية ووجهها شاحب بشكل غير عادي. لم تتزوج مرة أخرى, وتوفيت بعد بضع سنوات.